الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (16): {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16)}فيه ثلاث مسائل:الأولى: أخبر الله تعالى في الآية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل، لا لأنه يقبح منه ذلك إن فعل، ولكنه وعد منه، وخلف في وعده. فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير. يعلمك أن من هلك {فإنما} هلك بإرادته، فهو الذي يسبب الأسباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من الله تعالى.الثانية: قوله تعالى: {أَمَرْنا}قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية، والربيع ومجاهد والحسن {أمرنا} بالتشديد، وهى قراءة على رضي الله عنه، أي سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم.وقال أبو عثمان النهدي {أمرنا} بتشديد الميم، جعلناهم أمراء مسلطين، وقاله ابن عزيز. وتأمر عليهم تسلط عليهم. وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلى وابن عباس باختلاف عنهما {آمرنا} بالمد والتخفيف، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها، قاله الكسائي.وقال أبو عبيدة: آمرته بالمد وآمرته، لغتان بمعنى كثرته، ومنه الحديث«خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة»أي كثيرة النتاج والنسل. وكذلك قال ابن عزيز: آمرنا وأمرنا بمعنى واحد، أي أكثرنا. وعن الحسن أيضا ويحيى بن يعمر {أمرنا} بالقصر وكسر الميم على فعلنا، ورويت عن ابن عباس. قال قتادة والحسن: المعنى أكثرنا، وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد، وأنكره الكسائي وقال: لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد، قال واصلها {أأمرنا} فخفف، حكاه المهدوي. وفى الصحاح: وقال أبو الحسن أمر ماله بالكسر أي أكثره وأمر القوم أي كثروا، قال الشاعر:وآمر الله ماله: بالمد: الثعلبي: ويقال للشيء الكثير أمر، والفعل منه: أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا. قال ابن مسعود: كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا: أمر أمر بنى فلان، قال لبيد: قلت: وفى حديث هرقل الحديث الصحيح: «لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبى كبشة، ليخافه ملك بنى الأصفر» أي كثر. وكله غير متعد ولذلك أنكره الكسائي، والله اعلم. قال المهدوي: ومن قرأ {أمر} فهي لغة، ووجه تعدية {أمر} أنه شبهه بعمر من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة، فعدى كما عدى عمر. الباقون {أَمَرْنا} من الامر، أي أمرناهم بالطاعة إعذارا وإنذارا وتخويفا ووعيدا. فَفَسَقُوا أي فأخرجوا عن الطاعة عاصين لنا. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فوجب عليها الوعيد، عن ابن عباس.وقيل: {أَمَرْنا} جعلناهم أمراء، لان العرب تقول: أمير غير مأمور، أي غير مؤمر.وقيل: معناه بعثنا مستكبريها. قال هارون: وهى قراءة أ، بي {بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا} ذكره الماوردي. وحكى النحاس: وقال هارون في قراءة أبى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول}. ويجوز أن يكون {أَمَرْنا} بمعنى أكثرنا، ومنه«خير المال مهرة مأمورة» على ما تقدم.وقال قوم: مأمورة اتباع لمأبورة، كالغدايا والعشايا. وكقوله: «ارجعن مأزورات غير مأجورات». وعلى هذا لا يقال: أمرهم الله، بمعنى كثرهم، بل يقال: آمره وأمره. واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة العامة. قال أبو عبيد: وإنما اخترنا {أَمَرْنا} لان المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الامر والامارة والكثرة. والمترف: المنعم، وخصوا بالأمر لان غيرهم تبع لهم.الثالثة: قوله تعالى: {فَدَمَّرْناها}أي استأصلناها بالهلاك. {تَدْمِيراً}ذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم. وفى الصحيح من حديث بنت جحش زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فزعا محمرا وجهه يقول: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. قالت: فقلت يا رسول الله، انهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث». وقد تقدم الكلام في هذا الباب، وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع، والله اعلم. .تفسير الآية رقم (17): {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17)}أي كم من قوم كفروا حل بهم البوار. يخوف كفار مكة. وقد تقدم القول في القرن في أول سورة الأنعام، والحمد لله. {وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} {خَبِيراً} عليما بهم. {بَصِيراً} يبصر أعمالهم، وقد تقدم..تفسير الآيات (18- 19): {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)}قوله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} يعني الدنيا، والمراد الدار العاجلة، فعبر بالنعت عن المنعوت. {عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} أي لم نعطه منها إلا ما نشاء ثم نؤاخذه بعمله، وعاقبته دخول النار. {مَذْمُوماً مَدْحُوراً} أي مطردا مبعدا من رحمة الله. وهذه صفة المنافقين الفاسقين، والمرائين المداجين، يلبسون الإسلام والطاعة لينالوا عاجل الدنيا من الغنائم وغيرها، فلا يقبل ذلك العمل منهم في الآخرة ولا يعطون في الدنيا إلا ما قسم لهم. وقد تقدم في هود أن هذه الآية تقيد الآيات المطلقة، فتأمله. {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ أي الدار الآخرة وَسَعى لَها سَعْيَها} أي عمل لها عملها من الطاعات. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} لان الطاعات لا تقبل إلا من مؤمن. {فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} أي مقبولا غير مردود.وقيل: مضاعفا، أي تضاعف لهم الحسنات إلى عشر، وإلى سبعين وإلى سبعمائة ضعف، وإلى أضعاف كثيرة، كما روى عن أبى هريرة وقد قيل له: أسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة»؟ فقال سمعته يقول: «إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفى ألف حسنة»..تفسير الآيات (20- 22): {كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22)}قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ} اعلم أنه يرزق المؤمنين والكافرين. {وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} أي محبوسا ممنوعا، من حظر يحظر حظرا وحظارا. ثم قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} في الرزق والعمل، فمن مقل ومكثر. {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} أي للمؤمنين، فالكافر وإن وسع عليه في الدنيا مرة، وقتر على المؤمن مرة فالآخرة لا تقسم إلا مرة واحدة بأعمالهم، فمن فاته شيء منها لم يستدركه فيها. وقوله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ} الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد أمته.وقيل: الخطاب للإنسان. {فَتَقْعُدَ} أي تبقى. {مَذْمُوماً مَخْذُولًا} لا ناصر لك ولا وليا..تفسير الآيات (23- 24): {وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)}فيه ست عشرة مسألة: الأولى: {قَضى} أي أمر وألزم وأوجب. قال ابن عباس والحسن وقتادة: ليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر. وفى مصحف ابن مسعود {ووصى} وهى قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس أيضا وعلى وغيرهما، وكذلك عند أبى بن كعب. قال ابن عباس: إنما هو {ووصى ربك} فالتصقت إحدى الواوين فقرئت {وَقَضى رَبُّكَ} إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد.وقال الضحاك: تصحفت على قوم {وصى بقضى} حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف.وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك.وقال عن ميمون بن مهران أنه قال: إن على قول ابن عباس لنورا، قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك. وقال: لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا، ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم: القضاء يستعمل في اللغة على وجوه: فالقضاء بمعنى الامر، كقوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} معناه أمر. والقضاء بمعنى الخلق، كقوله: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} يعني خلقهن. والقضاء بمعنى الحكم، كقوله تعالى: {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} يعني احكم ما أنت تحكم. والقضاء بمعنى الفراغ، كقوله: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ}. أي فرغ منه، ومنه قوله تعالى: {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ}. وقوله تعالى: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ}. والقضاء بمعنى الإرادة، كقوله تعالى: {إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. والقضاء بمعنى العهد، كقوله تعالى: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ}. فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله، لأنه إن أريد به الامر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك، لان الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء.وقال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن فقال إنه طلق امرأته ثلاثا. فقال: إنك قد عصيت ربك وبانت منك. فقال الرجل: قضى الله ذلك على! فقال الحسن وكان فصيحا: ما قضى الله ذلك أي ما أمر الله به، وقرأ هذه الآية: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}.الثانية: أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}. وقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. وفى صحيح البخاري عن عبد الله قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «الصلاة على وقتها» قال: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين» قال ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام. ورتب ذلك بثم التي تعطى الترتيب والمهلة.الثالثة: من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما، فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم. يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه».الرابعة: عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الامر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباح في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوب. وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدا في ندبيته.الخامسة: روى الترمذي عن عمر قال: كانت تحتي امرأة أحبها، وكان أبى يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت، فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك». قال هذا حديث حسن صحيح.السادسة: روى الصحيح عن أبى هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك». فهذا الحديث يدل على أن محبة الام والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب، لذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الام ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط. وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان. وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الام دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب.وروى عن مالك أن رجلا قال له: إن أبى في بلد السودان، وقد كتب إلى أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال: أطع أباك، ولا تعص أمك. فدل قول مالك هذا أن برهما متساو عنده. وقد سئل الليث عن هذه المسألة فأمره بطاعة الام، وزعم أن لها ثلثي البر. وحديث أبى هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر، وهو الحجة على من خالف. وقد زعم المحاسبي في كتاب الرعاية له أنه لا خلاف بين العلماء أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع، على مقتضى حديث أبى هريرة رضي الله عنه. والله اعلم.السابعة: لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد، قال الله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}. وفى صحيح البخاري عن أسماء قالت: قدمت أمي وهى مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبيها، فاستفتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن أمي قدمت وهى راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صلى أمك».وروى أيضا عن أسماء قالت: أتتني أمي راغبة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أأصلها؟ قال: «نعم». قال ابن عينية: فأنزل الله عز وجل فيها: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الأول معلق والثاني مسند.الثامنة: من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما. روى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك»؟ قال نعم. قال: «ففيهما فجاهد». لفظ مسلم. في غير الصحيح قال: نعم، وتركتهما يبكيان. قال: «اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما». وفى خبر آخر أنه قال: «نومك مع أبويك على فراشهما يضاحكانك ويلاعبانك أفضل لك من الجهاد معى». ذكره ابن خويز منداد. ولفظ البخاري في كتاب بر الوالدين: أخبرنا أبو نعيم أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان فقال: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما». قال ابن المنذر: في هذا الحديث النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع. وذلك بين في حديث أبى قتادة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث جيش الأمراء...، فذكر قصة زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وابن رواحة وأن منادى وسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى بعد ذلك: أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد» فخرج الناس مشاة وركبانا في حر شديد. فدل قوله: «اخرجوا فأمدوا إخوانكم» أن العذر في التخلف عن الجهاد إنما هما لم يقع النفير، مع قوله عليه السلام: «فإذا استنفرتم فانفروا». قلت: وفى هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قدم الأهم منها. وقد استوفى هذا المعنى المحاسبي في كتاب الرعاية.التاسعة: واختلفوا في الوالدين المشركين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية، فكان الثوري يقول: لا يغزو إلا بإذنهما.وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما. قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا اعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الاخوة وسائر القرابات. وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله عز وجل.العاشرة: من تمام برهما صلة أهل ودهما، ففي الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن من أبر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى».وروى أبو أسيد وكان بدريا قال: كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسا فجاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر والدي من بعد موتهما شيء أبرهما به؟ قال: «نعم. الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهذا الذي بقي عليك». وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهدى لصدائق خديجة برا بها ووفاء لها وهى زوجته، فما ظنك بالوالدين.الحادية عشرة: قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما} خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر. وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر. وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً}. روى مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة».وقال البخاري في كتاب الوالدين: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبى سعيد المقبري عن أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على. رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له». حدثنا ابن أبى أويس حدثنا أخى عن سليمان بن بلال عن محمد بى هلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة السالمى عن أبيه رضي الله عنه قال: إن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أحضروا المنبر فلما خرج رقى إلى المنبر، فرقى في أول درجة منه قال آمين ثم رقى في الثانية فقال آمين ثم لما رقى في الثالثة قال آمين، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه منك؟ قال: وسمعتموه؟ قلنا نعم. قال: إن جبريل عليه السلام اعترض قال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما رقيت في الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت في الثالثة قال بعد من أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين». حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنسا رضي الله عنه يقول: «ارتقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر درجة فقال آمين ثم ارتقى درجة فقال آمين ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال آمين، ثم استوى وجلس فقال أصحابه: يا رسول الله، علام أمنت؟ قال: أتانى جبريل عليه السلام فقال رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين ورغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين» الحديث. فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك. والشقي من عقهما، لا سيما من بلغه الامر ببرهما.الثانية عشرة: قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم. وعن أبى رجاء العطاردي قال: الاف الكلام القذع الرديء الخفي.وقال مجاهد: معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما وتقول أف. والآية أعم من هذا. والاف والتف وسخ الاظفار. ويقال لكل ما يضجر ويستثقل: أف له. قال الأزهري: والتف أيضا الشيء الحقير. وقرى {أُفٍّ} منونا مخفوض، كما تخفض الأصوات وتنون، تقول: صه ومه. وفية عشر لغات: أف، واف، واف، وأفا واف، وأفه، واف لك بكسر الهمزة، واف بضم الهمزة وتسكين الفاء، وأفا مخففة الفاء. وفى الحديث: «فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال أف أف». قال أبو بكر: معناه استقذار لما شم.وقال بعضهم: معنى أف الاحتقار والاستقلال، أخذ من الاف وهو القليل.وقال القتبي: أصله نفخك الشيء يسقط عليك من رماد وتراب وغير ذلك، وللمكان تريد إماطة شيء لتقعد فيه، فقيلت هذه الكلمة لكل مستثقل.وقال أبو عمرو بن العلاء: الاف وسخ بين الاظفار، والتف قلامتها.وقال الزجاج: معنى أف النتن.وقال الأصمعي: الاف وسخ الاذن، والتف وسخ الاظفار، فكثر استعماله حتى ذكر في كل ما يتأذى به.وروى من حديث علي بن أبى طالب وضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لو علم الله من العقوق شيئا أردا من أف لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار. وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة». قال علماؤنا: وإنما صارت قولة {أف} للأبوين أردأ شيء لأنه رفضهما رفض كفر النعمة، وجحد التربية ورد الوصية التي أوصاه في التنزيل. و{أف} كلمة مقولة لكل شيء مرفوض، ولذلك قال إبراهيم لقومه: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله} أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم.الثالثة عشرة: قوله تعالى: {وَلا تَنْهَرْهُما} النهر: الزجر والغلظة. {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً} أي لينا لطيفا، مثل: يا أبتاه ويا أماه، من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء.وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً} ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب السيد الفظ الغليظ.الرابعة عشرة: قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة، كما أشار إليه سعيد بن المسيب. وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده. والذل: هو اللين. وقراءة الجمهور بضم الذال، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل. وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بن الزبير {الذل} بكسر الذال، ورويت عن عاصم، من قولهم: دابة ذلول بينة الذل. والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب. فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب.الخامسة عشرة: الخطاب في هذه الآية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد به أمته، إذ لم يكن له عليه السلام في ذلك الوقت أبوان. ولم يذكر الذل في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده. و{مِنَ} في قوله: {مِنَ الرَّحْمَةِ} لبيان الجنس، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس، لا بأن يكون ذلك استعمالا. ويصح أن يكون لانتهاء الغاية، ثم أمر تعالى عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، وأن ترحهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك، إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما، وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعريا وكسواك، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر، فتلا منهما ما وليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا يجزى ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه». وسيأتي في سورة مريم الكلام على هذا الحديث.السادسة عشرة: قوله تعالى: {كَما رَبَّيانِي} خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتبعهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما، وهذا كله في الأبوين المؤمنين. وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولى قربى، كما تقدم. وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {أَصْحابُ الْجَحِيمِ} فإذا كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا، إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر، لان هذا وحده نسخ بالآية المذكورة.وقيل: ليس هذا موضع نسخ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين، كما تقدم. أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك، لا رحمة الآخرة، لا سيما وقد قيل إن قوله: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما} نزلت في سعد بن أبى وقاص، فإنه أسلم، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة، فذكر ذلك لسعد فعال: لتمت، فنزلت الآية.وقيل: الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين. والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا، وقال ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا. ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا فقال رجل: يا رسول الله، وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه». وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبى أخذ مالى. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل: «فأتني بأبيك» فنزل جبريل عليه السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه» فلما جاء الشيخ قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال له وسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: إيه، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك؟ فقال الشيخ: والله يا رسول الله، ما زال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي. قال: قل وأنا أسمع. قال: قلت:قال: فحينئذ أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلابيب ابنه وقال: أنت ومالك لأبيك». قال الطبراني: اللخمي لا يروى- يعني هذا الحديث- عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الاسناد، وتفرد به عبيد الله بن خلصه. والله اعلم.
|